تمتلك سعيدة أملال، التي عانت منذ صغرها من ضعف البصر، عزيمة قوية لتغيير الواقع. من خلال إشرافها على تسيير معهد طه حسين للمكفوفين، تساعد سعيدة أملال التلاميذ المكفوفين وضعاف البصر في سلكي الابتدائي والاعدادي على كسر أغلال الإعاقة وتجاوز معيقات المجتمع، متحلية أولا بالصبر وثانيا بإرادة صلبة وثالثا بتجربتها الشخصية من أجل توفير سبل الدراسة والتعلم لرواد المعهد من اليافعين، الذين تعتبرهم في واقع الأمر أبناءها.
بعد أن حققت أحلامها الأكاديمية والمهنية واضعة إكراهاتها الخاصة على الهامش، تتطلع الآن سعيد أملال إلى تحقيق أمنية غالية تتمثل في إزالة العوائق أمام أطفال معهد طه حسين، التابع للمنظمة العلوية لرعاية المكفوفين بالمغرب، ليتمتعوا بكافة الحقوق على قدم المساواة مع باقي أقرانهم الأسوياء في مجال التعليم.
وأوضحت سعيدة أملال، وهي طالبة باحثة في سلك الدكتوراه، في حديث مع وكالة المغرب العربي للأنباء، أن تركيزها على توفير سبل التعلم الشامل للأطفال المكفوفين يأتي عن قناعة أن التعليم يمكن الكفيف من الاندماج الصحيح والفاعل في المجتمع، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وبناء شخصيته بشكل متوازن.
وأشارت أملال، الأربعينية التي اختارت علم النفس تخصصا أكاديميا، إلى أن تعدد أنشطة المعهد التربوية والفنية يمكن الأطفال المعنيين من تحقيق ذواتهم وإبراز مواهبهم وإثارة الاهتمام إلى قدراتهم الإبداعية وتميزهم في الكثير من المجالات، مشددة على أن "هذا هو الادماج الحقيقي الذي يردم الهوة المعنوية بين رواد المعهد وأقرانهم الأسوياء".
بعيدا عن عملها اليومي الدؤوب داخل معهد طه حسين، الذي يستقبل حوالي 70 مرتادا، تبقى سعيد أملال مبدعة ذات أسلوب جذاب وخيال واسع ومن الأسماء البارزة في عالم الزجل، فهي صاحبة ديوان "رياح الهوى" (2016) وديوان "شويا مني ..شويا منك" (2022). وقد اختارت العامية لغة للتعبير الشعري، لأن "للكلمات الدارجة رونق خاص، وهي تمنح فواصل واسعة من التعبير بمضامين محبوكة".
وتميز سعيد أملال الشعري يرسم صورة مشرقة عن المرأة التطوانية وأنوثتها المفعمة بالرقة، يضاهيه تميز ثقافي آخر بفضل تجربتها الغنائية والموسيقية، كيف لا وهي سليلة أسرة موسيقية تهوى طرب المشرق والمغرب والموسيقى الأندلسية.
ويرجع الفضل في نجاحها الدراسي والثقافي والمهني الى المنظمة العلوية التي رعتها منذ طفولتها وواكبتها في كل مراحلها الدراسية وقدمت لها الدعم والسند والمساعدة، كما وفرت لها كل السبل والوسائل للاندماج داخل المجتمع دون الحديث عن الدفء الإنساني والرعاية.
وأبرزت أن حضن المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين بالمغرب، التي ترأسها صاحبة السمو الأميرة للا لمياء الصلح، منحها الرغبة والقوة للانفتاح على كل الفنون بشغف كبير، وأتاح لها امكانية التعرف على الكثير من الموسيقيين والفنانين ورجال ونساء الأدب بكل تلويناتهم الابداعية، ما يجعلها تفتخر أمام الجميع بانتمائها لهذه المؤسسة العريقة.
وتسر سعيد أملال، الفصيحة اللسان والمثابرة والمبدعة، أن إشرافها على تسيير معهد طه حسين هو رد لجزء يسير من جميل المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين بالمغرب، التي راكمت تجربة طويلة وحملت هم الأطفال المكفوفين وضعاف البصر بمختلف مناطق المغرب.
وما سعيدة أملال إلا نموذج للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين غيروا الصورة النمطية الشائعة حول ذوي الهمم، فمنهم أشخاص أبدعوا في كل مناحي الحياة، بل تفوقوا على الكثير ممن يعتبرون أسوياء، وقدموا لبلادهم ولمجتمعهم خدمات جليلة لا تنسى.