ورغم بعض التشويش، تستمر العلاقات بين الرباط وبروكسيل، الضاربة في القدم والمتفردة، في التطور والتأكيد على كونها مرجعية في سياسة الجوار للاتحاد الأوروبي.
ففي الوقت الذي تحتفل فيه المملكة بالذكرى الرابعة والعشرين لإعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه الميامين، تواصل ديناميكة الشراكة هذه كسب مزيد من القوة والتنوع.
وتحافظ هذه الشراكة، التي تتماشى مع إرادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، على طابعها التفضيلي، وتستكشف اليوم مسارات جديدة، مثل تعزيز المرونة الصناعية والاقتصادية، وتطوير ظروف سلاسل قيم صناعية جديدة، وتعزيز الطموح المشترك في مجال المناخ، وتحصين الشراكة وفتح الأبواب أمام مجالات تعاون مختلفة.
وفي هذا الإطار، قدم الاتحاد الأوروبي حجر أساس جديد لعلاقاته مع المغرب، مع تجديد التأكيد على "الأهمية القصوى" التي يوليها لشراكته مع المملكة المغربية في مجال الصيد البحري، و"الاهتمام الكبير الذي يوليه لاستمرارها بروح من الثقة والتضامن والمصلحة المشتركة".
وجاءت هذه التأكيدات، في بيان مشترك صدر عقب اختتام أشغال الدورة الخامسة للجنة المشتركة المكلفة بتتبع اتفاقية الشراكة في مجال الصيد البحري المستدام، التي انعقدت أشغالها الخميس الماضي ببروكسيل، والتي مكنت من إجراء تقييم شامل للسنوات الأربع لتنفيذ بروتوكول الصيد البحري المبرم في 18 يوليوز 2019، والذي تنتهي صلاحيته في 17 يوليوز الجاري.
وفي هذا البيان، أكد الاتحاد الأوروبي أن "العلاقات مع المغرب في مجال الصيد البحري تندرج في إطار شراكة شاملة تعود بالنفع على الطرفين، مما يجعل من المغرب والاتحاد الأوروبي شريكين استراتيجيين خدمة للاستقرار والتنمية والازدهار في المنطقة".
ورغم استياء بعض الأصوات المعارضة، اتفق المغرب والاتحاد الأوروبي على مواصلة التعاون كما ينص عليه اتفاق الشراكة في مجال الصيد البحري المستدام، والذي "يظل ساري المفعول"، بهدف تعميق الشراكة الثنائية.
وتم تأكيد جودة هذه الشراكة بين المغرب والتكتل الأوروبي، خلال زيارة عمل قام بها السيد أوليفر فاريلي، المفوض الأوروبي المكلف بسياسة الجوار والتوسع، إلى المغرب قبل بضعة أسابيع في الرباط، حيث أعاد التأكيد على مكانة المملكة بالنسبة للاتحاد الأوروبي كـ "بلد مهم ودعامة للاستقرار في المنطقة".
وقد ترجمت هذه الإرادة إلى أفعال من خلال توقيع المغرب والاتحاد الأوروبي خلال هذه المناسبة على خمسة برامج تعاون بإجمالي 5,5 مليار درهم (حوالي 500 مليون يورو) لدعم مشاريع إصلاحية كبيرة في المملكة، تشمل دعم تعزيز الحماية الاجتماعية، والانتقال الأخضر، وإصلاح الإدارة العامة، وإدارة الهجرة، وتعزيز الشمول المالي.
وجاءت زيارة أوليفر فاريلي، الثانية من نوعها في أقل من عام، في سياق تنفيذ الإعلان السياسي المشترك الذي اعتُمد في يونيو 2019، والذي أنشأ "الشراكة الأورو- مغربية من أجل الازدهار المشترك، حول أربعة مجالات هيكلية، وهي "فضاء التقارب في القيم"، "فضاء التقارب الاقتصادي والتماسك الاجتماعي"، " فضاء للمعارف المشتركة "و"فضاء لمزيد من التشاور السياسي والتعاون المتزايد في مجال الأمن"، بالإضافة إلى محورين أفقيين أساسيين وهما التعاون في مجال البيئة ومحاربة تغير المناخ، والتعاون في مجال التنقل والهجرة.
كما توجت التبادلات المستمرة بين الشريكين هذه السنة بإزالة المغرب من القائمة الرمادية للاتحاد الأوروبي للدول الخاضعة للمراقبة في مجال غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وأخذ هذا القرار بعين الاعتبار المعلومات الواردة من مجموعة العمل المالي والتي تعترف بجهود المغرب الذي نفذ مخطط عمل متفق عليه مع مجموعة العمل المالي.
وكانت مجموعة العمل المالي قد أشادت بالتقدم الكبير الذي أحرزه المغرب في تحسين نظامه، مسجلة أن المملكة قد وضعت الأطر القانونية والتنظيمية اللازمة للوفاء بالتزاماتها.
وشهدت الشراكة متعددة الأوجه بين الرباط وبروكسيل هذا العام دفعة قوية في مجالين لا يقلان أهمية، وهما الثقافة والشباب. فقد تم التوقيع في الصويرة على اتفاقية تتعلق ببرنامج دعم الاتحاد الأوروبي للصناعات الثقافية والإبداعية المغربية، وهو الأول من نوعه في إطار الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
ثم جرى إطلاق برنامج توأمة مؤسساتي في الرباط يهدف إلى "دعم تعزيز الحكامة وتنفيذ المبادرات المبتكرة لصالح إدماج الشباب في المغرب".
كما أصبح المغرب أول بلد يبرم شراكة خضراء مع بروكسيل.. المبادرة التي تعد بمثابة اعتراف من قبل الاتحاد الأوروبي بـ "الدور الريادي" الذي يضطلع به المغرب في مجال التكيف مع المناخ والانتقال الطاقي.
وفي مجال آخر ظلت فيه الشراكة المغربية-الأوروبية راسخة على الدوام، أي الشراكة بخصوص الهجرة، تمكنت الرباط وبروكسيل من بلوغ مستوى جديد. هكذا، أطلقت المفوضية الأوروبية والمغرب شراكة متجددة في مجال الهجرة ومكافحة شبكات الاتجار بالبشر.
ومن خلال الالتزام بهذا النهج الجديد، أثبتت المملكة، مرة أخرى، أنها شريك موثوق وملتزم ومسؤول كما كانت على الدوام. فإذا أضحت فاعلا إستراتيجيا وأساسيا بالنسبة لأوروبا، فذلك يعود بشكل خاص لإدارتها الإنسانية، المندمجة والمتضامنة لملف الهجرة.
وكانت البرامج المختلفة التي تم إطلاقها والزيارات التي قام بها كلا الجانبين، في الواقع، جزءا من الاتصالات المنتظمة التي يقوم بها الطرفان. وانعكست هذه الاتصالات من خلال زيارة جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية إلى المغرب في يناير 2023، وكذلك الزيارات السابقة لستة أعضاء آخرين من هيئة مفوضي الاتحاد الأوروبي لعام 2022 وحده ، بما في ذلك رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين.
ومن الرباط، جددت رئيسة السلطة التنفيذية الأوروبية التأكيد على رغبة الاتحاد الأوروبي في مواصلة تعميق الشراكة "الاستراتيجية، الوثيقة والمتينة" القائمة مع المغرب، الشريك الاقتصادي والتجاري الأول للاتحاد الأوروبي في القارة الإفريقية.