السيدة المنحدرة من فاس المجاورة اكتشفت ولعها الفني مبكرا وهي تلميذة في مدرسة جون دو لافونتين بمكناس. "هناك اعتدت الرسم والتلوين..أرسم ورودا وبيوتا ووجوها بشرية أو حيوانية من وحي خيالي وملاحظاتي أو قراءاتي أيضا". كشفت الموهبة عن نفسها. ينصحها مدرسها بالانضمام الى مدرسة للفنون الجميلة بباريس، غير أن حلمها بمزاولة الطب تغلب على الهاجس الإبداعي والتعلق بالرسم.
هكذا، بدأت الشابة مسارها مع دراسة الطب في الرباط. وبحصولها على الدكتوراه، انتقلت الى ليون الفرنسية حيث تخصصت في أمراض الروماتيزم قبل أن تعود إلى مكناس عام 1990، حيث تواصل يومياتها مع آلام المرضى وانتظاراتهم.
حب الفن عنيد لم تخمده انشغالات الدراسة وروتين الممارسة المهنية. سيكون على أنيسة التبر أن تكد بشكل عصامي من أجل شحذ ملكاتها في الرسم عبر القراءة والتهام كتب الفن. "أتأمل في حياة كبار الرسامين، تقنياتهم التشكيلية وقد أستلهمها أو لا أفعل، لكن المهم أني أكون حينها قد تشربت كنهها"، تقول الفنانة الطبيبة في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء.
هي قصة عشق أزلي بين الطبيبة والرسم، لا تقف في وجهها تقلبات المعيش. "تملكني حب الرسم والصباغة بشكل شبه غريزي، وجدت فيه طريقي للتعبير عن كينونتي، أمتح منه موارد الفرح والحلم والسعادة، ولا أتصور احتمالا للعيش بعيدا عن هذا العالم".
الفن والطب في نظرها عالمان مختلفان لكن متكاملان "يمليان علينا فعل الملاحظة والتحليل ويفرضان منهجية في العمل"، لكنها تحرص على التأكيد ألا رابط مباشرا بين إبداعاتها التشكيلية وممارستها المهنية.
تقول أنيسة التبر "إن إبداعاتي التشكيلية لا صلة مباشرة لها بمهنتي. أحب أن أرسم طبقا لمزاجي ولإلهام اللحظة، وهو ما يتيح لي الانسلاخ عن اليومي والانزياح عن معاناة المرضى التي أعايشها".
غير أنها تثير الانتباه إلى الأواصر الأكيدة التي بينتها الدراسة والتجربة بين الفن والطب، كما يجسدها الفن العلاجي الذي ينطوي على استخدام التقنيات والعوالم الإبداعية في مسلسل الاستشفاء.
إن هذا الفن شكل من العلاج النفسي الذي يستخدم الإبداع من رسم وتركيب ونحت لربط الصلة بالحياة الداخلية للكائن، مشاعره وأحلامه ولاوعيه أيضا، في أفق التعبير عنها وتغييرها إن اقتضى الأمر، خصوصا لدى أشخاص يجدون صعوبة في التعبير عن معاناتهم.
عن علاقتها بالمدارس التشكيلية، تقر الفنانة الطبيبة بميلها إلى الفن التصويري والانطباعي، لكنها تظل عموما متحررة من التقيد بقواعد جامدة لتيار مخصوص.
وقد سبق لأنيسة التبر، التي انخرطت أيضا في عالم الكتابة من خلال مؤلفها حول الفن بعنوان "الطريق"، أن أقامت معارض في فاس ومكناس، بينما هي في الطريق لتحل ضيفة على أروقة في مدن أخرى. في كتابها، تعرض التبر لبعض لوحاتها مرفقة بذكريات وتعاليق وتأملات فلسفية.
بين الطب والفن والكتابة، ترى أنيسة أن "ثمة وقتا لكل شيء وأنا سعيدة لكوني أشرف على استكمال كتابي الثاني، وهذه المرة، يتعلق الأمر برواية، تحكي لحظة من حياة".